قضية اسمها اليمن

عبدالله.. قتله البلاطجة قبل أن تكتمل فرحة أولاده

المستقلة خاص ليمنات

غادر عبد الله القرية إلى المدينة والحسرة والألم يعصران قلبه لفراق زوجته وأولاده الثلاثة  فلم يجد إزاء واقعه هذا وظروفه الصعبة التي قست عليه غير فراقهم لأن هموم الحياة ومطالبها المتزايدة يوماً بعد يوم تفرض عليه بذل الكثير والكثير من الجهود للحصول على عمل لتأمين لقمة العيش لهم، فعبد الله الحاصل على شهادة جامعية لم يحصل على وظيفة منذ تخرجه من الجامعة قبل أربع سنوات وقد تنقل كثيراً في العديد من الأعمال التي يحصل عليها بتوكله على باب الله ولكن كل تلك الأعمال لم تعد له بأي مردود كافٍ من الدخل ليوفي بها متطلبات أسرته، فهو العائل الوحيد لأمه وأبيه وبقية أفراد أسرته فقرر عبد الله أن يعود إلى القرية ليعمل في قطعة صغيرة من الأرض يمتلكها والده وكذلك العمل مع الآخرين في أعمال فلاحة الأرض وزراعتها- فهي كما يعتقد- ربما تكون أنفع وأكثر مردوداً وإن الذي سينفقه من المصاريف على نفسه في المدينة سيتقاسمه مع أسرته في القرية فترك عبدالله ملفه الوظيفي في الخدمة المدنية لينتظر دروه حتى نزول درجته الوظيفية  وعاد إلى مسقط رأسه واستمر هناك (في قريته) لمدة عامين  يجاهد ويكافح ليوفر لقمة العيش له ولأسرته.. تارة يعمل مع هذا المزارع وتارة مع مزارع آخر، كما عمل أيضاً في بيع الخضروات والفواكه طوال أشهر السنة ويعود في مواسم العيد إلى المدينة للعمل في بيع الملابس الشعبية  أو في أرصفة الشوارع  حيث كان يحقق ارباحاً لا بأس بها تفي بصورة نسبية باحتياجات ومتطلبات العيد كشراء الملابس والأضحية.. ظل عبدالله في انتظار للوظيفة الغائبة التي لم تأت بعد، سوى في الوعود الكاذبة التي كانت تعلن من قبل السلطات لامتصاص غضب الناس فاستمر عبدالله في مواجهة الحياة التي أثقلت كاهله فهو في القرية مزارع متنقل لا يكل ولا يمل تارة يعمل مزارعاً وأخرى حمالاً فكل ما يعرض عليه من عمل لا يتوانى لحظة في قبوله فالمسؤولية الكبيرة المرمية على عاتقه لا تجعله يرفض أي عرض يقدم إليه.. فهو بحاجة إلى كل قرش لتأمين لقمة العيش لأطفاله وأسرته فاحتياجه الشديد للمال يفرض عليه القبول بأي عرض ويجعله مستعداً لبذل كل جهد حتى يوفر اللقمة الحلال لأطفاله الثلاثة وأمهم الذين أحبهم جميعاً بشكل مفرط.. وحرص على أن يلبي كل متطلباتهم التي يمكن أن تكون في مقدوره وحسب استطاعته.. وبرغم حبه المفرط لهم لكنه كان شعاره دائماً لولا وجوده في وسط المعمعة لما كان قد اختار الدخول إليها.

إنها الحاجة والفقر قد تجبر البعض أحياناً إلى التخلي عن كل مسئولياته أو توصله إلى الانتحار لكن عبد الله ليس من هذا النوع من ضعاف النفوس الذين ينهزمون أمام الأزمات، فتخور قواهم، ويجرفهم التيار، فعبدالله قبل التحدي وحرص على مواجهة الدنيا بكل شرورها وسرورها.. وظل مستيقظاً  حريصاً على الوفاء باحتياجات أسرته مهما كلفه من  جهد أو تضحية في توفير اللقمة الحلال والشريفة لأبنائه.. وصل إلى عبدالله اتصالٌ من أحد زملاء دراسته يعلمه باقتراب نزول درجته الوظيفية فاستقبل النبأ بسرور كبير.. ودع أسرته بعد أن أخبرهم بأنه سيذهب لمتابعة درجته الوظيفية وطمأنهم بزوال كافة المتاعب وانتهاء تقشف العيش، وبشرهم بقدوم رغد الحياة أقترض عبد الله مبلغاً من أحد أقربائه وتوجه إلى العاصمة، لمتابعة درجته الوظيفية.. وفعلاً كانت عملية التوظيف له جارية مع مجموعة من زملائه بعد انتظار دام أكثر من خمس سنوات، وكان عليه المتابعة بشكل يومي لكي لا يخرج أسمه من الدرجات الوظيفية.. ففكر عبدالله بأن يبحث له عن عمل ولو بشكل يومي لكي يغطي مصاريفه اليومية ويؤمن متطلبات عيد الفطر خاصة وأن حضوره للمتابعة تزامن مع حلول شهر رمضان المبارك، لم يستغرق عبدالله كثيراً من الوقت في البحث عن العمل فلقد حصل على عمل في إحدى الأماكن المشهورة في بيع السنبوسة براتب كبير حيث وإنه قد عمل سابقاً في هذا المجال.. لم يتردد عبد الله في قبول العمل وحرص أن يتفانى ليل نهار في العمل.. وقد كافأه صاحب العمل بمبلغ إضافي مثل راتبه حيث استلم حوالي 200 ألف ريال، وهو مبلغ لم يكن يتخيل امتلاكه فقد استمر طول ليلة كاملة يحلم ويرسم شكل البدلات التي سوف يشتريها لأولاده والفستان الذي سيهديه لزوجته ويتخيل مشهد الفرحة التي ستغمر أطفاله وزوجته حمل عبد الله المبلغ المالي الذي حصل عليه، وتوجه إلى السوق لشراء متطلبات أطفاله وزوجته من الملابس وجعالة العيد توقف أمام أحد المعارض لعد بقية  المبلغ الذي بحوزته بعد أن أشترى قليلاً من الأغراض، ولكنه أثناء ما كان يعد المبلغ “المال” فاجأه وفيما هو سارح في أحلامه مستعد للسفر عصابة من اللصوص مكونة من عدة أشخاص حاولوا سلبه تلك الأموال لكنه دافع دفاع الفرسان وتلقى الكثير من اللكمات والضربات المميتة وهو رافض تسليم ما بحوزته من مال إلا أن واحداً من أولئك الأشخاص ضربه بآلة حادة  على رأسه فسقط إثرها مغشياً عليه في الأرض فيما تمكن أفراد العصابة من انتزاع الأموال منه ولاذوا بالفرار عدا  واحداً منهم  تمكن المواطنون المتجمعون من إلقاء القبض عليه في مكان الحادثة وتم تسليمه إلى الشرطة فيما تم إسعاف عبد الله إلى المستشفى حيث توفي بعد ساعتين من وصوله إلى المستشفى.

زر الذهاب إلى الأعلى